المقهوية شَرْكَسْ 

عبدالكريم الرازحي:

وانا ادرِّس في مناخة كنت عندما اخور سلتة انزل للمغربة وكان هناك مقهوية جميلة بطريقة موجعة اسمها: شَرْكَسْ وكان جمالها يوجعني ويوجع كل من يتغدى عندها وبالنسبة لي كانت لكثرة ترددي على مقهايتها قد عرفت اسمي وتعرف انني مدرس في مناخة لكنها لم تكن تناديني باسمي وانما باسم : استاذ

  • ياا ستاذ ..اهلا يااستاذ.. مرحبا بااستاذ.. حاضر يااستاذ ماادِّي لك يااستاذ؟

وعندما لايكون معي فلوس تقدم لي غدا بالدين الى حين استلم الراتب وكان معها دفتر تسجل فيه الديون لكنها لم تكن تعرف تكتب فقط كانت تتذكر

مقالات ذات صلة

وعندما كنت انزل من مناخة تخرج الدفتر وتقدمه لي وتطلب مني ان اسجل الديون وتملي علي الاسماء والمبالغ وكنت اسجل وبعد ان انتهي تقدم لي مطيبة مرق مع قطعة لحم مقابل الجهد الفكري وعندما لااكون موجودا تسأل عمن يعرف القراء ة والكتابة من الزبائن وتملي عليه وذات يوم طفشتُ بعد القات وتملكتني رغبة في السفر للحديدة لقضاء الخميس والجمعة وكان يوم ربوع وبعد المغرب نزلت من مناخة للمغربة وكان غرضي ان اركب في اي سيارة ذاهبة للحديدة وفيماكنت أتعشى في مطعم المقهوية شركس حدث ان دخل سائق ضخم الجثة مفتول العضلات ولاادري هل جاء من الحديدة ام من صنعاء لكنه كان سكرانا في غاية السكر واول مادخل راح يتحرش بالمقهوية وكانت هي تصده وتشتمه وهو يتمادى في تحرشه ومن شدة ما اوجعته بشتائمها مديده باتجاه صدرها وهي راحت تصرخ بكل صوتها وتستنجد بي :

  • ياأستاذ.. يااستاذ

وانا نهضت من فوق العشاء وكان بي خوف وعندما اقتربت منه ومددت يدي لأبعده عنها خبطني خبطة بيده التي تشبه المجرفة ووجدتني مطروحا في الأرض والدم مثل نافوره يطلع من نخري ثم إذبه يترك المقهوية شركس ويندفع نحوي وراح يضربني بحقد وشركس المقهوية تترجاه ان يتركني وهو يواصل ضربي ولم يتركني الابعد ان تدخل سواقون ومسافرون وليلتها من شدة الضرب الذي لقيته لم يعد بمقدوري الذهاب للحديدة ولا العودة الى مناخة .

المقهوية شركس

الحلقة الثانية

في كل مرة اذهب فيها للحديدة كانت المقهوية شركس تطلب مني اشتري لها “حوائج شِرْكَةْ” و بهارات وكنت اشتري ماتطلبه مني واحيانا كانت تطلب الى جانب البهارات أشتري لها احمر شفاه، ومواد تجميل. وذات مرة وكان معي فلوس اشتريت لها أشياء من تلك التي تفرحُ بها النساء وقلت أهديها لها مقابل اهتمامهابي بي فقد كانت تميِّزني بالأكل الحلوالذي تقدمه لي، وباللحمة الحلوة ،فضلا عن انها كانت تسأل عني إذا غبت عنها، وتقلق علي. وعندما قدمت لها تلك الأشياء فرحت بها وجُنَّت من الفرح وفرحت اكثر عندما رفضت استلام قيمتها وقلت لها بأنها هدية ويومها قالت لي :

-” اليوم انت ضيفي يا استاذ والله ماتروِّح”

وعندما عرف الاساتذة بأنني مغرم بالمقهوية شركس راحوا يسخرون مني ويتهكمون عليّ وسموني :

-“عبد الكريم الشركسي ”

وذات مرة تغيبتُ وسأل المديرُ الأساتذة عني وقال لهم :

  • اين الاستاذ عبد الكريم؟

قالوا له : عبد الكريم بالمغربة

واستغرب المدير وقال لهم :وقت دوام ماراح يعمل المغربة؟

قالوا له : راح عند المقهوية شركس”

واخبروه بأنني واقعٌ في حبها، ومفتونٌ بها ،وبعد عودتي من المغربة شركَسَني المدير وهزَّأني وقال لي:

  • مش عيب عليك ياعبد الكريم تحب مقهوية وانت أستاذ !!

قلت له : مالها المقهوية مش خلقها الله مثلي ومثلك!!

وهو زعل مني وقال لي:

  • الوزارة ارسلتك الى مناخة من اجل تدرِّس مش من اجل تعشق”

وعندها استحيتُ وقلت له :

-“والله يامدير اننا كنت خاور سلته ونزلت المغربة أسلُت ”

وكان في ظني انهم يقدمون السلتة في اي وقت ولم اكن اعرف بأن السلتة تُقدم فقط في وجبة الغدا.

وضحك المدير وقال لي : سلتة من الصبح !!

ولأن عذري كان أقبح من ذنبي فقد لُذتُ بالصمت ولم ادر ماذا أقول!!

والحقيقة أن المقهوية شركس كانت قد سلبت عقلي وصرتُ من شدة إفتتاني بها سارح راجع نازل طالع من المغربة مثلي مثل “مجنون ذمار” وهو سارح راجع من ذمار الى يريم ومن يريم الى ذمار والعودة. وكنت كلما اقنعت نفسي بالتوقف عن الذهاب الى المغرَبَة اجدني كل يوم بعد القات وبعد المغرب أتحرك لاإراديا كما لوان هناك قوة تدفعني اليها دفعاً وحتى عندما تكون المقهوية مشغولة اظل هناك أحتسي الشاي واحملق في جمالها المُوْجِع.مثلما يحملق رواد متحف اللوفر في لوحة الموناليزا .مع الفارق هو ان المقهوية شركس كانت اجمل من الموناليزا وكان جمالها جمالاًحقيقياً لكن، من سوء حظها أنها يمنية ولم تجد فنانا مثل دافنشي ليخلِّد جمالها في لوحة .ثم ان اولئك المنبهرين بجمالها كانوا ينظرون اليها من أعلى وكانت في نظرهم مجرد مقهوية ولاتستحق ان تُحب لذلك كنتُ أشعرُ بأنني الأحق بجمال شركس ليس فقط لأني أستاذ ومتعلم وخريج ثانوية وانما لأنني الوحيد الذي كنت احبها واحترمها وأضربُ من أجلها لكن زملائي لم يكونوا يعرفون بأنني تعرضت للضرب بسببها ولو انهم عرفوا لما تركوني في حالي. كانوا قد راحوا يلومونني على حبي لها وكان موقفهم نفس موقف مدير المدرسة وهو انه لايجب ان ادع مشاعري تنحطُّ وتنحدر الى مستوى امراة مقهوية مهما كان جمالها. وعندما كنت اقول لهم بأنني على استعداد للزواج بها كانوا يسخرون مني ويحشرونني في زمرة البُلْهاء والمجانين. وحتى شركس نفسها عندما كنت اقول لها بأنني على استعداد لأن أتزوجها

كانت تستغرب وتقول لي :

  • كيف عتتزوجني ياأستاذ وانت داري انني مقهوية!!

أيامها كنت الوحيد الذي يرتدي البنطلون في مناخة وكان كل من يراني يعتقد بأني نصراني وفي مسجد قرية الهَجَرَة عندما أصر الأستاذ غالب أن أتأمم بهم لصلاة الظهر رفضوا ان يصلوا خلفي وانا بالبنطلون لكن المقهوية شركس كانت تحكم عليِّ من خلال البنطلون وكانت تعتبر الشخص الذي يدخل مقهايتها بالبنطلون شخصاٌ استثنائياً وتتعامل معه بطريقةٍ مختلفةٍ عن تعاملها مع غيره من الزبائن. وفي الليلة التي تحرَّش بها السواق السكران الذي كسر لي نخرتي وجعل كل عضو في جسدي يئن أبقتني عندها وطلبت مني ان انزع البنطلون والشميز لتغسلهما ثم راحت تغمس العطب في سائلٍ كأنه الإسبرت وتمرر العطبة فوق الجروح وكان ذلك السائل يحرقني لكن لمساتها كانت اكثر نفعا من ذلك الدواء المحرق .وليلتها وقد هدأت كل تلك الآلام حدثتني عن كل اولئك الذين يتحرشون بها بعضهم قالت كانوا سواقين سَكارى واكثرهم رجال قبائل سُكارى بجمالها وقالت بأنه لااحد من المبنطلين الذي مروا بالمغربة وأكلوا في مقهايتها تحرش بهاأو أساء اليها وعندما سألتها عن السبب؟

قالت : متعلمين يااستاذ.

ومن بعد وقد خطفت قلبي توقفتُ عن وضع الفلوس في جيبي وكنت عند استلام راتبي اسلِّمه لها كاملا .وكان هناك من المدرسين من يحذرني منها ويقول لي :

  • “ياعبد الكريم خلِّي فلوسك معك.. هذي مقهوية لاعندها دين ولاملة باتسرقك”

لكنها وقد سرقت قلبي لم يعد يهمني ان تسرق فلوسي

وكنتُ في كل يوم خميس وجمعة أساعدها في عمل المقهاية واتحول من استاذ الى مقهوي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى